" مشهد سقوط إيكاروس " , لِماذا كان إيكاروس غائبا عن لوحته ِ ؟

 

من هو إيكاروس ?


تقول الأسطورة الإغريقية أن ديدالوس كان مهندسا بارعا جدا , كان أول من استخدم المعادن و بنى التماثيل , و كان قد تعلم حرفته على يد الإله اثينا , تبدأ قصتنا حين قام ملك كريت المسمى مينوس بحبس ديدالوس و إبنه إيكاروس في المتاهة التي صممها ديدالوس نفسه , كانت المتاهة مصممة بعناية فائقة لدرجة أن ديدالوس نفسه لم يستطع التوصل لطريق للخروج منها , و بعد عدة محاولات فاشلة خطرت لديدالوس فكرة أن يهرب منها بإستخدام السماء و ليس الأرض , فإلتفت لإبنه قائلاً : " قد يملك مينوس أن يحول بيني و بين الحرية عبر الأرض أو البحر , لكن السماء مفتوحة " , فقام صنع جناحين لإبنه إيكاروس مستخدماً الشمع و الريش ثم قام إلصاقهما على ظهر إبنه و أوصاه أن لا يرتفع كثيرا و لايقترب أبدا من الشمس لأن حرارتها ستقوم بإذابة الشمع لذلك يتوجب عليها أن يطير على إرتفاع متوسط ,القدر الذي يسمح له الهروب من المتاهة فقط ثم أطلقه ليطير , أُعجب إيكاروس جدا بقدرته الخارقة الجديدة و طفق يطير سرعة كبيرة  على علو مرتفعا بمحاذاة الشمس متناسيا تماما تحذيرات أبوه العجوز و فعلا حدث ما كان يخشاه ديدالوس إذ  ذاب الشمع و خسر إيكاروس جناحيه و هوى نحو الأرض  . 


تُدعى هذه الأسطورة ب " أُسطورةِ إيكاروس "


قام الرسام الفلمنكي الهولندي بيتر بروغل الأكبر بتجسيدها في لوحته " مشهد سقوط إيكارس " , رُسمت اللوحة سنة 1858 تحديداً , خلال عصر النهضة و تتواجد حاليا في المتحف الملكي للفنون الجميلة ببروكسل , العاصمة البلجيكية , و قد ألهمت هذه اللوحة الشعر الأنجلو- أمريكي " ويستن هيو أودين " على كتابة قصيدة تحمل نفس إسم المتحف التي تتواجد به اللوحة حالياً .







قد يهمك أيضا : موناليزا الشمال أم الموناليزا الهولندية , ماهي قصتها ؟


ماذا يُريد بروغل أن يقول ?

نرى في اللوحة الخاصة بيتر بروغل غيابا كيرا لإيكاروس على الرغم من أن اللوحة تعكس إسمه أين كان من المفروض أن تعكس حضوره , و على عكس لوح " سقوط إيكاروس " للفنان جاكوب بيتر جوي أين كان يتربع إيكاروس على مركز اللوحة فإننا هنا نجده في الزاوية اليمنى السفلية لللوحة , إذ أن الفنان قد قام بتقليص أهمية هذا الحدث بإقصائه من مركز اللوحة , ووضعه أين لاتستطيع رؤية شيء أكثر من قدميه ينما هو يغرق لكم المثير للإهتمام هو كم التفاصيل الأخرى المذكورة في اللوحة , تلك التفاصيل التي تصف الحياة اليومية لأشخاص أخرين , فبينما يغرق إيكاروس نرى أن الفلاح يستمر بالحرث و الصياد يستمر الصيد بينما الراعي يراقب أغنامه غير عابئين بالمأساة التي تحدث على بعد خطواتِِ قليلة منهم و كأن برغل يحاول أن يخبرنا أن الحياة لا تتوقف لأجل أحد و أن جل مانراه نحن موضوعا ضروريا و شديد الأهمية  يبدو للأخرين أمرا تافها , تنجح هذه االوحة بمهارة في توضيح الطبيعة الإنسانية و كم القدر الضئيل الذي نوليه لمعاناة الأخرين , تضعنا هذه االوحة وجها لوجه أمام الحقيقة التي لايمكن إنكارها , قد تبدو هذه الحقيقة مأساوية للوهلة الأولى لكنها في الواقع محررة جدا إذ أنها تلغي من على كتفك جميع الأهمية التي توليها للتفاصيل , إذ أنه في الحقيقة لا أحد يتذكر تلك المرة التي وقعت فيها عند مدخل المدرسة ولا المرة التي قلت فيها نكتة غبية ولا جميع اللحظات المحرجة التي تلاحقك في حياتك و التي تظن أنها تلاحق جميع معارفك , نحن جميعا إيكاروس لذلك توقف عن التفكير ليلا  في الإجاة الخاطئة التي قلتها أمم مدرجِِ بأكمله و أُخلد للنوم .   

Comments