الكافكاوية بين فرانز كافكا و ميلان كونديرا !!
الكافكاية بين كافكا و كونديرا :
لم يكن يدري الكاتب التشيكي الأصل , الذي توفي داخل أسوار مصحة هوفمان النفسية سنة 1924 أنه بكتابته للروايات السوداوية التي إشتهر بها أنه يضع أُسس كلمة جديدة داخل أغمار السياسة , لم يكُن كافكا مُفكرا أو ناشطا سياسيا كما لم تشِي رواياته بأي إهتمام سياسي بل كان كاتبا و أديبا مهتما بالواقعة الوجودية وكان معروفا بأدبه الكئيب و السوداوي إذ يسحبك من أجمل الأحلام نحو أسوأ الكابيس , و لأن أده لم يصل لنا سوى عبر جسر الترجمة و لأننا لم نقرأ له سوى الرايات بالعربية التي كانت تستند إما على ترجمة إنجليزية أو فرنسية فقد كنا غير قادرين على فهمها مثلما يفهمها الجمهور الذي قد وُجهت إليه , ألا وهو التشيكيون , جمهور كافكا الأول, و كان اول من لاحظ هذه المفارقة هو كاتب من نفس جنسيته , ميلان كونديرا .
كان كونديرا أول من إستخرج مظاهر الكافكوية بعد ما إستخلصه من قراءات لروايات كافكا و كان كذلك أول من أطلق ليها مُصطلح " الكافكاوية " و ساهم في جعلها قالة للقراءة في ضوء التحولات الإجتماعية الكبرى خاصة بعد وفاة كافكا إذ وضع يده على الترجمات الفرنسية و قام بتغطية المسافة الواسعة بين فهمها و تفسيرها بين مدينتي براغ و باريس , بين ميلان أنه على الرغن من أن كافكا لم يكتب عن الرموز الدينية أبدا إلا أنه خلق نوعا من اللاهوت المزيف فقال : " عندما تتحدى السلطات نفسها تُنتج لاهوتا خاصاً بها " , إذ أنه و عكس المتعارف عليه فإن شخصيات كافكا تكون بريئة حكمت على نفسها بالذنب و ليست مذنبة تبحث عن الخلاص في العقاب , مثل شخصية راسكولينكوف ي رواية الجريمة و العقاب للعملاق دوستويفسكي , و هذا يدفع المذنب لتوسل السلطة أن تخبره عن ذنبه لعله يجد العزاء في ذلك .
و من المشاهد التي يرويها كونديرا حول تجليات ذلك خلال الحياة اليومية هو عن صديقته التي تم إعتقالها خلال المحاكمات الستالينية و أدينت بجرائم لم ترتكبها إذ كان يتوجب عليها ,شأن مئات الشيوعيين الذين إعتقلوا بدن سبب ,أن تنبش في تفاصيل حياتها و تعترف بجرائم وهمية و تجد ذنبا لتتطهر منه , لكنها رفضت ذلك بشجاعة , كان إبنها يلغ السادسة عسر من العمر خلال هذه الواقعة و بعدها بعشر سنات ذهب كونديرا لزيارتها فإذ هي تبكي لأن إبنها ,الذي صار عمره ستة و عشرين سنة الأن , قد إستيقظ مُتأخرا فسألها كونديرا لماذا تبكي سبب شيء سخيف كهذا جاءه الجواب من إبنها الذي قال : " لا، إن أمي لا تبالغ. إن أمي امرأة ممتازة وشجاعة. فقد قاومت حيث فشل الناس جميعًا في المقاومة. وهي تريدني أن أصير رجلًا شريفًا. حقًا، لقد استيقظتُ متأخرًا جدًا، لكن ما تؤاخذني عليه أمي شيء أكثر عمقًا. إنه سلوكي. سلوكي الأناني. أودّ أن أصيرَ ما تريدُ أمي أن أصيره. وإني لأعدها بذلك أمامك ", يُعلق كونديرا على هذه الواقع أن المرأة نجحت في تحقيق مافشله الحزب في تحقيقه معها مع إبنها و هكذا تتخطى المحاكمات الستالينية الجرائم الحقيقية و تتقلص لتلائم العلاقات الإنسانية و بين أن الآليات النفسية التي تتحكم بالأحداث التاريخية الكبرى (والتي تبدو خارقة ولا إنسانية) هي ذاتها التي تتحكم بالأوضاع الحميمة (العادية والمفرطة في إنسانيتها).
كيف يكُون عالم كافكا ؟
يكون عالم كافكا مؤسسة بيروقراطية هائلة لا يستطيع الناس الإرتداد عنها و لا فهمها غذ أنها قائمة بذاتها و لذاتها و لها قوانينها الخاصة التي لاتخدم المصالح الإنسانية , يعكس العالم الكافكاوي الفكرة الأفلاطونية عن الواقع حيث يكون فيه وجود الإنسان المادي مجرد إنعكاس معروض على شاشة الأوهام , و أن الأفراذ ليسوا سوى ظلالا لملفاتهم بل أقل من ذلك حتى إذ أنه يعكس الخطأ في الملف فقط , لا تعرف الشخصيات في العالم الكافكاوي سببب العقوبة التي تنزل بها و تلغ من العبثية درجة بحث المتهم نفسه عن جريمته و عن الذن المزعوم الذي قذ إقترفه من اجل تبرير العقوبة , على عكس شكسبير , فإن الكوميديا في عالم كافكا ليست لحنا مضادا للتراجيدا فهو لا يبغى ماسا الناس عبر التخفيف من شدة المأساة بواسطة خفة اللهجة بل يبحث كافكا عن الرعب المحمول في طيات الكوميديا .
لا تقتصر الكافكاوية على الجانب الأدبي أو السياسي وحده بل تحتويهما كلاهما , إذ أن الإنسان في عالم كافكا لا يصارع إنسانا أخر بل العالم المأساوي الذي حُول إلى إدارةِِ هائلة .
Comments
Post a Comment