حول تقسيم العمل, ماذا يظُن كارل ماركس ؟!

 يقول برودون « إن كل الاقتصاديين منذ آدم سميث أشاروا إلى حسنات ومساوئ قانون التقسيم ولكنهم أصروا على الحسنات أكثر مما أصروا على السيئات لأن الحسنات كانت ذات خدمات أكثر لتفاؤلهم، ولم يعذب أحد بينهم نفسه ليعرف ما هي مساوئ القانون.. فكيف نرى نفس المبدأ يقود إلى نتائج معاكسة ؟ لم يوحد اقتصادي قبل أو بعد آدم سميث قدر أن يدرك أية مسألة يجب حلها. فساي يعترف أنه بتقسيم العمل نجد أن نفس السبب الذي يخلق الصالح يخلق الرديء أيضا "  . 



لكن في الحقيقة هناك من قام بإنتقاده أشد إنتقاد و هذا الفيلسوف و الإقتصادي المعروف هو كارل ماركس, ماركس كان يؤمن أن الإنسان في الأصل عامل و في عمله يفجر قدراته الداخلية و يضع فيه بصمته, man is homo faber, قال ماركس أنو عندما يتم تقسيم العامل فإن العامل سيزيد تركيزه على الجزء السهل و البسيط الذي يقوم به فقط,أين ينتهي دوره هناك و لا يساهم بأي طريقة تتعدى ذلك في عملية التصنيع و ذلك سوف يؤدي إلى " Alienation " أو " التغريب " , أين يُصبح العامل البروليتاري منفصلا تماما عن المنتج النهائي و قد لا يتعرف على شكله حتى فبذلك يفقد فخره و لا يستخرج أي كرامة من ذلك العمل, كان أدم قد فكر فعلا في ذلك فقال أنه عندما يقوم شخص ما بنفس العمل مرارا و تكرارا قد يُصبح غبية و جاهلا بأكبر قدر يمكن لإنسان أن يصبحه, فكر في حلٍ لذلك في تقديم دروس أو محاضرات حول العملية و دور العمال فيها لكن أدم كان مهتما أكثر بالبذخ العام عن حقوق العمال, إذ ظن بصدق أن الجميع سيستفيدون منها, نظرة أدم كانت تفاؤلية عامة بينما كانت نظرة ماركس العكس تماما, كما أن ذلك قد وَّلد مُشكلة جديدة , كانت الأعمال التي يقوم بها العمال بسيطة جدا لدرجة يقوم بها شخص غير متعلم أو مدرب و ربما حتى طفل هذا يجعل المالك لا يعتمد على براعة العامل, و حين لا يعتمد المالك على براعة العامل فإن ميزان القوة في العلاقة بين العامل و المالك يميل نحو المالك, 



في محاولة لشرح وجهة نظره يضرب ماركس مثالا بصانع ساعات يحب عمله و يقوم بالعملية كاملة لوحده فيقول أنه يفخر بعمله كما يكون قادرا على التعرف على منتجاته إذ ما وجده في السوق بينما العامل الذي يقوم بجزء صغير خلال عملية تصنيع الساعات فإنه يفقد تلك الأفضلية و يصبح غريبا نوعا ما عن المنتجات التي تصنعه يده, يصبح غريبا عن مصدر فخره, فقد أصبح نوعا من الألة المُكرهة على العمل, و لا يكون مغتربا عن النتيجة النهائية فقط بل عن العملية الإنتاجية ككل فلا يعرف منها سوى الجزء الصغير الذي يقوم به, كما يصبح غير مهتم أو واعٍ للدور الذي يلعبه في المجتمع بل كل ما يهمه هو الراتب فقط, كما أن ذلك يقوم بكسر العلاقات بين العمال فلا تضامن و لا مُساعدة و لا أخوة بينهم, فلا يشعر العامل بأي ولاء تجاه المنتج ولا تجاه رفقائه العاملين فهم الأن فرديون, منفصلون, أو بتعبير أخر مغتربون عن بعضهم البعض, و كما قد ذكرنا من قبل فإن كارل ماركس كان يؤمن بأن الإنسان يجد هويته في عمله و يفجر مهاراته فيه لكن حين يتم تقليص دوره بهذه الطريقة المجحفة فهو يخسر ذلك الإمتياز و بالتالي يصبح مغتربا حتى عن هويته, أي عندما يغترب المرء عن عمله فهو يغترب عن نفسه , و بهذه الطريقة يقوم قانون تقسيم العمل بتجريد الأشخاص من إنسانيتهم . 

Comments