برنارد دو ماندفيل حول الرذيلة,هل هي سيئة فعلاً ؟!

 

في عام 1705 , كتب الطبيب الهولندي المُقيم بلندن " برنارد دو ماندفيل " قصيدة تتحدث عن النحل بعنوان " The grumbling hive " , كان يحاول من خلالها نقد الفساد و الجريمة التي أغرقت المجتمع الإنجليزي أنذاك لكن ليس بالطريقة المعتادة فعلا, فيقول في القصيدة كيف كان مجتمع النحل - الذي هو تشبيه المجتمع الإنجليزي - , إذ أن النحل كان يقوم بدوره في المجتمع بطريقة عادية لكن عندما يخلو مع نفسه فكان ينغمس في الخطايا و الرذائل و شيئا فشيئا إبتعد المجتمع عما كان يتفق على كونه الفضيلة و الأخلاقيات الحسنة لكن مع ذلك فإن المجتمع كان ما يزال يعمل بطريقة عادية ,فيقول ماندفيل في قصيدته : " Thus everything was full of vice yet the whole was a paradise " , إلى أن أدركت النحلات ذلك في إحدى الأيام و ندمت و لم تبغى بعدها عن الرذائل فقامت تشتكي الألهة ذلك, عندما رأت الألهة ذلك قررت أن النحل كان غير شاكر للهبة التي قد منحتهم إياها فقررت معاقبتهم بتحقيق ما يريدونه و هكذا قامت بتحويلهم لأفراد صادقين, لا يكذبون, لا يخدعون, لا يسرقون, لا يقتلون, بل لا يتباهون و يتعالوّْن حتى, و هكذا بين ليلة وضحاها إنخفضت مستويات الفساد و الجريمة حتى إنعدمت و كنتيجة لذلك خسر رجال الشرطة, المحامون و القضاة أعمالهم فلم تعُد هناك أي حاجةٍ لهم الأن, خسر البناؤون و الدهانون و النحاتون أعمالهم كذلك فلا أحد الأن يريد أن يتباهى بجمال بيته, حتى المعماريون الذين يصنعون السجون أصبحوا عاطلين عن العمل بين ليلة و ضحاها, و هكذا توقف إقتصاد الخلية عن العمل مما إضطر النحل إلى الرحيل و أصبحت الخلية خاوية على عروشها, و إنتهت القصيدة بنحلتان يجولان في الشجرة و إحداهما تقول للأخرى : " أتصدقين أن هذا المكان كان يسكُنه إحدى أهم شعوب المعمورة؟! "


كانت العبرة من هذه القصيدة هي جملة إفتتح بها ماندفيل قصيدته, private vice public benefits, و التي كان يقصد بها أنه على الرغم من خجلنا بالرذائل التي نقوم بها و كرهنا لها و محاولاتنا البائسة في قمعها فهي المحرك الأكبر للمجتمع, فمن الجريمة يعمل الشرطي, و من الغرور يعمل المصور, و من التكبر يعمل البناء و النحات و الدهان, و من الشره يعمل الطباخ و من الجشع يعمل المجتمع أجمع, طبعا تلقى ماندفيل العديد من الإنتقادات خول هذه القصيدة ما جعله يعيد نشرها في كتاب أشمل يوضح فيه رأيه و يدعمه بحجج و براهين مقنعة تحت عنوان " The fable of bees " سنة 1714 , يقول أوغست كونت " إن الإنسان يُدفع أكثر بواسطة الأنانية و ليس الإيثار " , فيشرح ماندفيل ذلك بأنه عندما نجد تصرفا ما سيئا فيجب إن لا نبحث على النتائج السيئة فقط, هذا أمر مجحف, بل يجب أن نفتش على النتائج الجيدة كذلك, التي لا بد أن يكون لديه القليل منها, على المستوى الشخصي و الفردي فإن هذه الرذائل قد تبدو أمرا كريها, أمرا نريد جميعا التخلص منه, لكن على مستوى أكبر, على مستوى المجتمع مثلا, فإننا بحاجة ماسة إليها, يقول ماندفيل أن المجتمع, أي مجتمع, يحتاج إلى قدرٍ من الرذيلة و الفساد لكي يعمل, إذ أن هذه الصفات تُولِد فيما بعد دينامية قادرة على إرادة المجتمع بطريقة متكاملة لوحدها, إذ يقول روبرت مورتون : " إن التصرفات الغير قانونية لبعض الجماعات قد تُساهم في تكامل المجتمع ككل " , و هذا ما يفسره أدم سميث ب"اليد الخفية " .